كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الشاعر:
لا تَخْبِزوا خَبْزًا وبُسَّا بَسَّا

وفي (الهَباء) أقوال قد ذكرناها في [الفرقان: 23].
وذكر ابن قتيبة أن الهَباء المُنْبَثّ: ما سطع من سنابك الخيل، وهو من (الهَبْوَة) والهَبْوَة: الغُبار. والمعنى: كانت ترابًا منتشرًا.
قوله تعالى: {وكنتم أزواجًا} أي: أصنافًا {ثلاثةً}.
{فأصحابُ الميمنة} فيهم ثمانية أقوال.
أحدها: أنهم الذين كانوا على يمين آدم حين أُخرجت ذُرِّيَّتهُ مِنْ صُلبه، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم الذين يُعْطَون كتبهم بأيمانهم، قاله الضحاك، والقرظي.
والثالث: أنهم الذين كانوا ميامين على أنفُسهم، أي: مبارَكين، قاله الحسن، والربيع.
والرابع: أنهم الذين أُخذوا من شِقِّ آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم.
والخامس: أنهم الذين منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مهران.
والسادس: أنهم أهل الجنة، قاله السدي.
والسابع: أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج.
والثامن: أنهم الذين يؤخذ بهم ذاتَ اليمين إلى الجنة، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.
قوله تعالى: {ما أصحابُ المَيْمَنة} قال الفراء: عجَّب نبيَّه صلى الله عليه وسلم منهم؛ والمعنى: أيُّ شيء هُمْ؟! قال الزجاج: وهذا اللفظ في العربية مجراه مجرى التعجب، ومجراه من الله عز وجل في مخاطبة العباد ما يعظم به الشأن عندهم، ومثلُه: {ما الحاقّة} [الحاقة: 2] {ما القارعة} [القارعة: 2]؛ قال ابن قتيبة: ومثلُه أن يقول: زَيدٌ ما زَيدٌ! أي: أيُّ رجُل هو! {وأصحابُ المشأمة ما أصحابُ المشأمة} أي: أصحاب الشمال، والعرب تسمِّي اليدَ اليسرى: الشُّؤمَى، والجانبَ الأيسر: الأشأم، ومنه قيل: اليُمْن والشُّؤم، فاليُمْن: كأنه ما جاء عن اليمين، والشؤم ما جاء عن الشمال، ومنه سمِّيت (اليَمَن) و(الشّأم) لأنها عن يمين الكعبة وشمالها.
قال المفسرون: أصحاب الميمنة: هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين، ويعطَون كتبهم بأيمانهم؛ وتفسير أصحاب المشأمة على ضد تفسير أصحاب الميمنة سواء؛ والمعنى: أيُّ قوم هم؟! ماذا أُعِدَّ لهم من العذاب؟!.
قوله تعالى: {والسابقون السابقون} فيهم خمسة أقوال.
أحدها: أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أُمَّة، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: أنهم الذين صلّوا إلى القِبلتين، قاله ابن سيرين.
والثالث: أهل القرآن، قاله كعب.
والرابع: الأنبياء، قاله محمد بن كعب.
والخامس: السابقون إلى المساجد وإلى الخروج في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سودة.
وفي إِعادة ذِكْرهم قولان.
أحدهما: أن ذلك للتوكيد.
والثاني: أن المعنى: السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله ذكرهما الزجاج.
قوله تعالى: {أولئك المقرَّبون} قال أبو سليمان الدمشقي: يعني عند الله في ظل عرشه وجواره.
قوله تعالى: {ثُلَّة من الأوَّلين} الثُلَّة: الجماعة غير محصورة العدد.
وفي الأوَّلين والآخِرين هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أن الأوَّلين: الذين كانوا من زمن آدم إلى زمن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، والآخِرون: هذه الأمة.
والثاني: أن الأولين: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخرين: التابعون.
والثالث: أن الأولين والآخِرين: من أصحاب نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فعلى الأول يكون المعنى: إن الأولين السابقين جماعة من الأُمم المتقدِّمة الذين سبقوا بالتصديق لأنبيائهم مَنْ جاء بعدهم مؤمنًا، وقليلٌ من أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الذين عاينوا الأنبياء أجمعين وصدَّقوا بهم أكثر ممّن عاين نبيِّنا وصدَّق به.
وعلى الثاني: أن السابقين: جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الأوَّلون من المهاجرين والأنصار، وقليل من التابعين وهم الذين اتَّبعوهم باحسان.
وعلى الثالث: أن السابقين: الأوَّلون من المهاجرين والأنصار، وقليل ممَّن جاء بعدهم لعجز المتأخِّرين أن يلحقوا الأوَّلين، فقليل منهم من يقاربهم في السَّبق.
وأمّا (الموضونة)، فقال ابن قتيبة: هي المنسوجة، كأن بعضها أُدخِلَ في بعض، أو نُضِّد بعضُها على بعض، ومنه قيل للدِّرع: مَوْضونة، ومنه قيل: وَضِينُ النّاقة، وهو بِطان ٌمن سُيور يُدْخَل بعضُه في بعض.
قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الآجُرُّ موضونٌ بعضُه على بعض، اي: مُشْرَج.
وللمفسرين في معنى {مَوْضُونةٍ} قولان.
أحدهما: مرمولة بالذهب، رواه مجاهد عن ابن عباس.
وقال عكرمة: مشبَّكة بالدُّرِّ والياقوت، وهذا مَعنى ما ذكرناه عن ابن قتيبة، وبه قال الأكثرون.
والثاني: مصفوفة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
وما بعد هذا قد تقدم بيانه [الكهف: 30] إلى قوله: {وِلْدانٌ مخلَّدونَ} الوِلْدان: الغِلْمان.
وقال الحسن البصري: هؤلاء أطفال لم يكن لهم حسنات فيُجْزَون بها، ولا سيِّئات فيعاقبون عليها، فوضُعوا بهذا الموضع.
وفي المخلَّدين قولان.
أحدهما: أنه من الخُلد؛ والمعنى: أنهم مخلوقون للبقاء لا يتغيَّرون، وهم على سنٍّ واحد.
قال الفراء: والعرب تقول للإنسان إِذا كَبِر ولم يَشْمَط: أو لم تذهب أسنانه عن الكِبَر: إنه لمخلَّد، هذا قول الجمهور.
والثاني: أنهم المُقَرَّطُون، ويقال: المُسَوَّرون، ذكره الفراء، وابن قتيبة، وانشدوا في ذلك:
ومُخْلَّداتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّما ** أعجازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبانِ

قوله تعالى: {بأكوابٍ وأباريقَ} الكوب: إناء لا عروة له ولا خُرطوم، وقد ذكرناه في [الزخرف: 72]؛ والأباريق: آنية لها عُرىً وخراطيم؛ وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: الإبريق: فارسيّ معرَّب، وترجمتُه من الفارسية أحدُ شيئين، إمّا أن يكون: طريقَ الماء، أو: صبَّ الماءِ على هينة، وقد تكلمتْ به العربُ قديمًا، قال عديُّ بن زيد:
ودَعَا بالصَّبُوحِ يومًا فجاءتْ ** قَيْنَةٌ في يمينها إبريقُ

وباقي الآيات في [الصافات: 46].
قوله تعالى: {لا يُصَدَّعُونَ عنها ولا يُنْزِفُونَ} فيه قولان.
أحدهما: لا يَلْحَقُهم الصُّداع الذي يلحق شاربي خمر الدنيا.
و{عنها} كناية عن الكأس المذكور، والمراد بها: الخمر، وهذا قول الجمهور.
والثاني: لا يتفرَّقون عنها، من قولك: صدَّعْتُه فانْصَدَع، حكاه ابن قتيبة.
ولا {يُنْزِفُونَ} مفسر في [الصافات: 47].
قوله تعالى: {ممّا يتخيَّرون} أي: يختارون، تقول: تخيَّرتُ الشيءَ: إذا أخذتَ خيره.
قوله تعالى: {ولحمِ طيرٍ} قال ابن عباس: يخطُر على قلبه الطير، فيصير ممثَّلًا بين يديه على ما اشتهى.
وقال مغيث بن سمي: تقع على أغصان شجرة طوبى طير كأمثال البُخْت، فإذا اشتهى الرجل طيرًا دعاه، فيجيء حتى يقع على خوانه، فيأكل من أحد جانبيه قديدًا والآخرِ شِواءً، ثم يعود طيرًا فيطير فيذهب.
قوله تعالى: {وحُورٌ عِينٌ} قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {وُحورٌ عِينٌ} بالرفع فيهما.
وقرأ أبو جعفر، وحمزة، والكسائي، والمفضل عن عاصم: بالخفض فيهما.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وعائشة، وأبو العالية، وعاصم الجحدري: {وحُورًا عِينًا} بالنصب فيهما.
قال الزجاج: والذين رفعوا كرهوا الخفض، لأنه معطوف على قوله: {يطوف عليهم}، قالوا: والحُور ليس ممّا يطاف به، ولكنه مخفوض على غير ما ذهب إليه هؤلاء، لأن المعنى: يطوف عليهم ولدانٌ مخلَّدون بأكوابٍ ينعمون بها، وكذلك ينعمون بلحم طير، فكذلك ينعمون بحُورٍ عِينٍ، والرفع أحسن، والمعنى: ولهم حُورٌ عِينٌ؛ ومن قرأ {وحُورًا عِينًا} حمله على المعنى، لأن المعنى: يُعطَون هذه الأشياء ويُعطَون حُورًا عِينًا، إلاّ أنها تُخالِف المصحف فتُكْرَه.
ومعنى {كأمثال اللُّؤلؤ} أي: صفاؤهُنَّ وتلألؤهُنّ كصفاء اللُّؤلؤ وتلألئه.
والمكنون: الذي لم يغيِّره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال، فهُنَّ كاللؤلؤ حين يخرج من صدفه.
{جزاءً} منصوب مفعول له؛ والمعنى: يُفعل بهم ذلك جزاءً بأعمالهم، ويجوز أن يكون منصوبًا على أنه مصدر، لأن معنى {يطوف عليهم ولِدانٌ مخلَّدون}: يُجازَون جزاءً بأعمالهم؛ وأكثر النحويِّين على هذا الوجه.
قوله تعالى: {لا يَسْمَعون فيها لَغْوًا} قد فسرنا معنى اللَّغو والسلام في سورة [مريم: 62] ومعنى التأثيم في [الطور: 23] ومعنى {ما أصحابُ اليمين} في أول هذه السورة [الواقعة: 9].
فإن قيل: التأثيم لا يُسمع فكيف ذكره مع المسموع؟
فالجواب: أن العرب يُتْبِعون آخرَ الكلام أوَّلَه، وإن لم يحسُن في أحدهما ما يحسُن في الآخر، فيقولون: أكلتُ خبزًا ولبَنًا، واللَّبَن لا يؤكل، إنما حَسُن هذا لأنه كان مع ما يؤكل، قال الفراء: أنشدني بعض العرب:
إذا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ** وَزَجَّجْنَ الْحَواجِبَ والعُيُونا

قال: والعَيْنُ لا تُزَجَّج إنما تُكَحَّل، فردَّها على الحاجب لأن المعنى يُعْرَف، وأنشدني آخر:
ولَقِيتُ زَوْجَكِ في الوغى ** متقلَّدًا سَيْفًا ورُمْحًا

وأنشدني آخر:
عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً باردًا

والماء لا يُعْلَف وإِنما يُشْرَب، فجعله تابعًا للتِّبن؛ قال الفراء: وهذا هو وجه قراءة من قرأ، {وحُورٍ عِينٍ} بالخفض، لإتباع آخر الكلام أوَّله، وهو وجه العربيَّة.
وقد شرحنا معنى قوله: {وأصحابُ اليمين} في قوله: {فأصحاب الميمنة} [الواقعة: 9] وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: أصحاب اليمين: أطفال المؤمنين.
قوله تعالى: {في سِدْرٍ مخضود} سبب نزولها أن المسلمين نظروا إلى وَجٍّ، وهو وادٍ بالطائف مخصبٌ.
فأعجبهم سِدْرُه، فقالوا: يا ليت لنا مثل هذا؟ فنزلت هذه الآية، قاله أبو العالية، والضحاك.
وفي المخضود ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الذي لا شَوْكَ فيه، رواه أبو طلحة عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وقسامة بن زهير.
قال ابن قتيبة: كأنه خُضِدَ شوكُه، أي: قلع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة: «لا يُخْضَدُ شوكُها».
والثاني: أنه المُوقَر حملًا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والضحاك.
والثالث: أنه المُوقَر الذي لا شوك فيه، ذكره قتادة.
وفي الطَّلْح قولان.
أحدهما: أنه الموز، قاله عليّ، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، والحسن، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة.